التخالف في طباع الحيوان

   إنّ اللّه جعل بعض الوحوش كَسوبًا محتالًا، وبعض الوحوش متوكِّلًا غير محتالٍ، وبعض الحشرات يدَّخر لنفسه رزق سنَتِهِ، وبعضًا يتَّكل على الثّقة بأنَّ له كلَّ يومٍ قَدْرَ كِفايته، رِزقًا معدًّا وأمرًا مقطوعًا. وجَعَل الهَمَج1 يدَّخر وبعضه يتكسَّب، وبعض الذّكور يعُولَ ولدَه وبعض الذّكور لا يعرف ولده، وبعض الإناث تُخرِّجُ2 ولدَها، وبعض الإناث تُضِيع ولدها وتكْفَل ولَد غيرها، وبعض الأجناس معطوفة على كلّ ولدٍ من جنسها، وبعض الإناث لا تعرف ولَدَها بعد استغنائَه عنها، وبعض الإناث لا تزال تعرفه وتعطف عليه، وبعض الإناث تأكل ولدها، وكذلك بعض الذّكور، وبعض الأجناس يُعادي كلَّ شيءٍ ويكسر بيضها أو يأكل أولادها. وجعَل يُتْمَ بعض الحيوان من قِبَل أمَّهاتها وجعل يُتْم بعضها من آبائها، وجعل بعضها لا يلْتَمس الولد وإن أتاه الولد، وجعل بعضها مستفرغ الهمِّ في حبّ الذرءِ3 والتماس الولد، وجعَل بعضها يُزاوج وبعضها لا يُزاوج، ليكون للمتوكّل من النّاس جهةٌ في تكسُّبه، ولتخطُر على بالهم أسباب البِرِّ والعُقوق وأسباب الحظْر والتَّرْبية.

                                             عن الجاحظ

                             كتاب الحيوان صفحة 114 ج 2

 

- الهمج: ذباب صغير كالبعوض يقع على وجوه الغنم والحمير.1

- تخرّج: تربّي.2

- الذرء: النّسل.3